مقدمة
جزيرة العرب شحيحة المياه كثيرة الصحاري والجبال فلم يشتغل أهلها بالزراعة لجدب الأرض. والإنسان صنيعة الإقليم، فنشأ العرب على ما تقتضيه البلاد المجدبة من الارتزاق بالسائمة والترحال في طلب المرعى، فغلبت البداوة على الحضارة فيهم وانصرف أكثر همهم إلى تربية الماشية وهي قليلة بالنظر إلى احتياجاتهم فنشأ بينهم التنازع عليها وجرّهم التنازع إلى الغزو واضطرهم الغزو إلى الانتقال بخيامهم وأنعامهم من نجع إلى نجع ومن صقع إلى صقع ليلاً ونهاراً. وجوّهم صافٍ وسماؤهم واضحة فعولوا في الاهتداء إلى السبل على النجوم ومواقعها. واحتاجوا في مطاردة أعدائهم إلى استنباط الأدلة للكشف عن مخابئهم فاستنبطوا قيامة الأثر وألجأهم ذلك أيضاً إلى توقي حوادث الجو من المطر والأعاصير ونحوها فعنوا بالتنبؤ بحدوث الأمطار وهبوب الرياح قبل حدوثها وهو ما يعبرون عنه بالأنواء ومهاب الرياح. ودعاهم الغزو من الجهة الأخرى إلى العصبية لتأليف الأحزاب فعمدوا إلى الأنساب يترابطون بها، وحيث أقاموا في بادية صفا جوها وأشرقت سماؤها صفت أذهانهم وانصرفت قرائحهم إلى قرض الشعر يصفون به وقائعهم أو يبينون به أنسابهم أو يعبرون به عن عواطفهم، وقويت فيهم ملكة البلاغة فبرعوا في إلقاء الخطب على أن العرب لم يسلموا مما وقع فيه معاصروهم من الأمم العظمى من اعتقاد الكهانة والعرافة وزجر الطير وخط الرمل وتعبير الرؤيا، وقد سميناها علوماً بالقياس على ما يماثلها عند الأمم الأخرى في عصر العلم وإلا فالعرب لم يتعلموها في المدارس ولا قرأوها في الصحف ولا ألفوا فيها الكتب لأنهم كانوا أميين لا يقرأون ولا يكتبون وإنما هي معلومات تجمعت في ذاكرتهم بتوالي الأجيال بالاقتباس
أو الاستنباط وتنقلت في الأعقاب.
مظاهر الحياة العقلية في العصر الجاهلي
الادب و فصاحة القول و روعة الجواب
النثـــــر
كان العربُ مضرب المثل في بلاغة القول وفصاحة اللسَان، وقد نظموا الشعر الرائع، وقالوا النثر المبدع، ولكنّ ما وصل إلينا من النثر قليل بالنسبة لما وصل إلينا من شعر الجاهليين، لأن الأمِيّة الشائعة في الجزيرة العربية في هذا العصر قد حالت دون كتابة الخطب والوصايا والأمثال أما الشعر فهو أسهل حفظاً، وأكثر أنصاراً، تخصص له رواة يحفظونه ويتناقلونه فكثر المروىّ منه كثرة وافرة.
وما وصل إلينا من النثر الجاهلي ينحصر في الخطب والوصايا والأمثال.
فالخطبة كانت ذات شأن هام لدى الجاهليين لأن دواعي الحروب والمصالحة والمصاهرة كانت تحتاج إلى خطباء يتكلمون فيعبرون عما في نفوسهم، لذلك حرصت كل قبيلة على أن يكون لها خطيبٌ يتكلم بلسانها كما يكون لها شاعر يذيع محاسنها ومواقفها المشهورة بين القبائل.
وأنت إذا نظرت إلى الخطبة الجاهلية كخطبة هانىء بن مسعود فإنك تجدها تميل إلى الإيجاز، وتنحو منحو الحكمة الفطرية، وتعتمد على إثارة المشاعر.
أمَا الألفاظ فواضحة معبّرة عن الغرض المقصود تعبيراً مباشراً صريحاً على أن تتخللها الأمثلة أو أبيات الشعر، ومعانيها في كثير مما وَرَدَ منْ نماذجها مقتضبة، مفككة، لا تتصل اتصالاً مترابطاً وإنما هي خطرات تسنح للخطيب فيعبر عنها كما تجيء.
وكان العرب يختارون الخطيب و يرون فيه أن يكون جهير الصوت سليم المنطق ثابت الموقف قوي الشخصية ومن خطبائهم الأفذاذ قس بن ساعدة وهاشم بن عبد مناف.
أما الأمثلة فتجري على ألسنة الناس جميعاً، ولا تختص بها طبقة دون طبقة، ولذلك ورد لنا من أمثلة الجاهلية ما امتلأت به كتب حافلة، ومن صفاتها الفنية إيجاز اللفظ، وجمال العبارة وتصوير البيئة تصويراً دقيقاً مع دقة التشبيه في أكثر ما نعهد من، الأمثال ووصايا الجاهليين ذائعة وهي وليدة خبرات وتجارب، ودائماً تصدر عن أب كبير، أر رئيس مجرب، أو أم عاقلة فتصادف موقعها من النفوس.
الشعــر
الشعر عند العرب الكلام المقفّى الموزون، والتصورات الشعرية فطرية في العرب أما النظم فحادث عندهم، وربما صاغوا الشعر أولاً بعبارات قصيرة تحفظ وتتناقل على سبيل الأمثال، ومنها الأمثال الحكمية ونحوها.
وظلوا دهراً طويلاً يقول شاعرهم من الرجز البيتين أو الثلاثة إذا هاجت فيه قريحة الشعر لمفاخرة أو مشاتمة أو منافرة وكانوا كلما نبغ فيهم نابغة أدخل في النظم تحسيناً، والمهلهل يقولون أنه أول من قصد القصائد وامرؤ القيس أول من أطالها وتفنن في نظمها وفتح الشعر وبكى ووصف، وهم يعدون منظوماتهم بالقصائد وليس بالأبيات، فقد ذكروا أن أبا تمام صاحب كتاب الحماسة كان يحفظ من أشعار العرب (الجاهلية) 14.000 أُرجوزة غير القصائد والمقاطيع وكان حماد الراوية يحفظ 27.000 قصيدة على كل حرف من حروف الهجاء ألف قصيدة، وكان الأصمعي يحفظ 16.000 أُرجوزة وكان أبو ضمضم يروي أشعاراً لمائة شاعر كل منهم اسمه عمرو.
فالشعر ديوان الجاهليين، وسجلّ وقائعهم، وميدان تجاربهم، ولا تجد عصراً من عصور التاريخ أجادَ تصويرَ الأحداث، وسرد الوقائع، كما تجد ذلك في العصر الجاهلي، حيث اتجهت الفطرة العربية إلى تصوير الواقع دون تزييف أو مبالغة، وقد وجدوا من انفساح الصحراء ورحابة الأفق وحرية القول، وكثرة المعارك ما أطلق ألسنتهم بالقول، ولهم من فصاحة اللسان، واعتدال السليقة ما يمدهم بالروعة والإتقان.
وقد اتجهت أغراض الشعر إلى ما يناسب البيئة من وصف ومدح وفخر ورثاء وهجاء وحكمة وغزل واعتذار ووجد فيهم من الشعراء من اشتهر بغرض أجادَه وتفوق فيه كما تفوق زهير في الحكمة والنابغة في الاعتذار والمهلهل في الرثاء.
أما المعاني فغير عميقة لبعد الجاهليين عن الفلسفة، كما أن هذه المعاني لا تمتد متسلسلة بل تأتي موجزة مقتضبة، ولا يعمد الشاعر إلى ترتيبها بل ينتقل من معنى لآخر دون استيفاء بحيث يمكن القارئ أن يسقط بعض الأبيات دون أن يحس اختلالاً في الترابط.
والألفاظ لدى الكثيرين قويّة جزلة، وما نراه من الغموض في بعض الأبيات يرجع إلى خفاء اللفظ بالنسبة إلينا نحن، أما الأفكار فقريبة لا تحتاج إلى غوص، وقد نجد سهولة في بعض القصائد كما نشاهد في شعر المهلهل وجليلة والمنخل.
والتصوير ينبع من البيئة، ولبعض الشعراء خيال رائع كامرئ القيس وزهير والنابغة، وكان الأخيران يتئدان في النظم فحَفل شعرهما بالصور الجميلة على نحو ما شاهدنا في مقطوعتيهما السابقتين.
أغراض الشعر الجاهلي :
-لقد نظم الشاعر الجاهلي الشعر في شتى موضوعات الحياة ومن أهم أغراض الشعر الجاهلي :
أ-الفخر والحماسة :الحماسة لغة تعني : القوة والشدة والشجاعة .ويأتي هذا الفن في مقدمة أغراض الشعر الجاهلي ،حيث يعتبر من أصدق الإشعار عاطفة .
ب- الغزل :وهو الشعر الذي يتصل نالمرأة المحبوبة المعشوقة .والشعر هنا صادق العاطفة ،وبعضه نمط تقليدي يقلد فيه اللاحق السابق .
ج- الرثاء :وهو الشعر الذي يتصل بالميت . وقد برعت النساء في شعر الرثاء .وعلى رأسهن الخنساء ،والتي أشتهرت بمراثيها لأخيها صخر .
د- الوصف :اقد تأثر الشعراء الجاهليون بكل ما حولهم ،فوصفوا الطبيعة ممثلة في حيوانها ، ونباتها .
ه- الهجاء :فن يعبر فيه صاحبه عن العاطفة السخط والغظب تجاه شخص يبغضه .
مصادر الشعر الجاهلي :
المعلقات ، والمضليات ، والأصمعيات ، وحماسة أبي تمام ، ودواوين الشعراء الجاهليين ، وحماسة البحتري ، وحماسة إبن الشجري ، وكتب الأدب العامة ، وكتب النحو واللغة ومعاجم اللغة.
من شعراء الجاهلية:
أحيحة بن الجلاح، أوس بن حجر، أبو طالب، الحارث بن حلزة، امرؤ القيس، الأعشى، الشنفرى، المثقب العبدي، السموأل، الزير سالم، النابغة الذبياني، الأسود بن يعفر النهشلي، السليك بن عمرو، الحادرة، الخرنق بنت بدر،المسيب بن علس، المتلمس الضبعي، بشر بن أبي خازم ،ثابت بن جابر، حاتم الطائي، حاجب بن حبيب،زهير بن أبي سلمى، زهير بن جناب الكلبي، سلامة بن جندل، طرفة بن العبد، طفيل الغنوي، عمرو بن كلثوم، عنترة بن شداد، عبيد بن الأبرص، عدي بن زيد، عامر بن الطفيل، عروة بن الورد، علقمة الفحل، عمرو بن قميئة، عمرو بن مالك، قيس بن الخطيم، لبيد بن ربيعة العامري، لقيط بن يعمر الإيادي، هدبة بن الخشرم.
منزلة الشعر عند العرب:
فكانوا يثيرون بذلك غيرة أبنائهم على إتقان الشعر ويحرّضونهم على نظمه، لأن الشعراء كانوا حماة الأعراض وحفظة الآثار ونقلة الأخبار وربما فضلوا نبوغ الشاعر فيهم على نبوغ الفارس ولذلك كانوا إذا نبغ فيهم شاعر من قبيلة أتت القبائل الأخرى فهنأتها به وصنعت الأطعمة واجتمعت النسوة يلعبن بالمزاهر كما يصنعن في الأعراس وتتباشر الرجال والولدان. وقد بلغ من احترام العرب للشعر والشعراء أنهم عمدوا إلى سبع قصائد اختاروها من الشعر القديم وكتبوها بماء الذهب في القباطي (التيل المصري) بشكل الدرج الملتف وعلقوها في أستار الكعبة وهي المعلقات ولذلك يقال لها المذهبات أيضاً كمذهبة امرئ القيس ومذهبة زهير.
الخطابة في الجاهلية
الخطابة تحتاج إلى خيال وبلاغة ولذلك عددناها من قبيل الشعر أو هي شعر منثور وهو شعر منظوم وإن كان لكل منهما موقف. فالخطابة تحتاج إلى الحماسة ويغلب تأثيرها في أبناء عصر الفروسية وأصحاب النفوس الأبية طلاب الاستقلال والحرية مما لا يشترط في الشعر، أما العرب فقد قضى عليهم الإقليم بالحرية والحماسة وهم ذووا نفوس حساسة مثل سائر أهل الخيال الشعري فأصبح للبلاغة وقع شديد في نفوسهم فالعبارة البليغة قد تقعدهم أو تقيمهم بما تثيره في خواطرهم من النخوة.
مواضيع الخطب
وكان العرب يخطبون بعبارة بليغة فصيحة وهم أميون لا يقرأون ولا يكتبون وإنما كانت الخطابة فيهم قريحة مثل الشعر وكانوا يدربون فتيانهم عليها من حداثتهم لاحتياجهم إلى الخطباء في إيفاد الوفود مثل حاجتهم إلى الشعراء في حفظ الأنساب والدفاع عن الأعراض.
ومن هذا القبيل وفود القبائل على النبي (صلّى الله عليه وآله) بعد أن استتب له الأمر فقد جاءه من كل قبيلة وجهاؤها وخيرة بلغائها لاعتناق الإسلام أو للاستفهام أو غير ذلك ومن هذا القبيل وفود العرب على الخلفاء للتسليم والتهنئة.
الخطباء
وجملة القول أن الخطباء كانوا عديدين في النهضة الجاهلية كالشعراء والغالب فيهم أن يكونوا أمراء القبائل أو وجهاءها أو حكماءها، وكان لكل قبيلة خطيب أو غير خطيب كما كان لها شاعر أو غير شاعر.
مجالس الأدب وسوق عكاظ
كان العرب يعقدون المجالس لمناشدة الأشعار ومبادلة الأخبار والمسامرة أو البحث في بعض الشؤون العامة وكانوا يسمون تلك المجالس الأندية.
جزيرة العرب شحيحة المياه كثيرة الصحاري والجبال فلم يشتغل أهلها بالزراعة لجدب الأرض. والإنسان صنيعة الإقليم، فنشأ العرب على ما تقتضيه البلاد المجدبة من الارتزاق بالسائمة والترحال في طلب المرعى، فغلبت البداوة على الحضارة فيهم وانصرف أكثر همهم إلى تربية الماشية وهي قليلة بالنظر إلى احتياجاتهم فنشأ بينهم التنازع عليها وجرّهم التنازع إلى الغزو واضطرهم الغزو إلى الانتقال بخيامهم وأنعامهم من نجع إلى نجع ومن صقع إلى صقع ليلاً ونهاراً. وجوّهم صافٍ وسماؤهم واضحة فعولوا في الاهتداء إلى السبل على النجوم ومواقعها. واحتاجوا في مطاردة أعدائهم إلى استنباط الأدلة للكشف عن مخابئهم فاستنبطوا قيامة الأثر وألجأهم ذلك أيضاً إلى توقي حوادث الجو من المطر والأعاصير ونحوها فعنوا بالتنبؤ بحدوث الأمطار وهبوب الرياح قبل حدوثها وهو ما يعبرون عنه بالأنواء ومهاب الرياح. ودعاهم الغزو من الجهة الأخرى إلى العصبية لتأليف الأحزاب فعمدوا إلى الأنساب يترابطون بها، وحيث أقاموا في بادية صفا جوها وأشرقت سماؤها صفت أذهانهم وانصرفت قرائحهم إلى قرض الشعر يصفون به وقائعهم أو يبينون به أنسابهم أو يعبرون به عن عواطفهم، وقويت فيهم ملكة البلاغة فبرعوا في إلقاء الخطب على أن العرب لم يسلموا مما وقع فيه معاصروهم من الأمم العظمى من اعتقاد الكهانة والعرافة وزجر الطير وخط الرمل وتعبير الرؤيا، وقد سميناها علوماً بالقياس على ما يماثلها عند الأمم الأخرى في عصر العلم وإلا فالعرب لم يتعلموها في المدارس ولا قرأوها في الصحف ولا ألفوا فيها الكتب لأنهم كانوا أميين لا يقرأون ولا يكتبون وإنما هي معلومات تجمعت في ذاكرتهم بتوالي الأجيال بالاقتباس
أو الاستنباط وتنقلت في الأعقاب.
مظاهر الحياة العقلية في العصر الجاهلي
الادب و فصاحة القول و روعة الجواب
النثـــــر
كان العربُ مضرب المثل في بلاغة القول وفصاحة اللسَان، وقد نظموا الشعر الرائع، وقالوا النثر المبدع، ولكنّ ما وصل إلينا من النثر قليل بالنسبة لما وصل إلينا من شعر الجاهليين، لأن الأمِيّة الشائعة في الجزيرة العربية في هذا العصر قد حالت دون كتابة الخطب والوصايا والأمثال أما الشعر فهو أسهل حفظاً، وأكثر أنصاراً، تخصص له رواة يحفظونه ويتناقلونه فكثر المروىّ منه كثرة وافرة.
وما وصل إلينا من النثر الجاهلي ينحصر في الخطب والوصايا والأمثال.
فالخطبة كانت ذات شأن هام لدى الجاهليين لأن دواعي الحروب والمصالحة والمصاهرة كانت تحتاج إلى خطباء يتكلمون فيعبرون عما في نفوسهم، لذلك حرصت كل قبيلة على أن يكون لها خطيبٌ يتكلم بلسانها كما يكون لها شاعر يذيع محاسنها ومواقفها المشهورة بين القبائل.
وأنت إذا نظرت إلى الخطبة الجاهلية كخطبة هانىء بن مسعود فإنك تجدها تميل إلى الإيجاز، وتنحو منحو الحكمة الفطرية، وتعتمد على إثارة المشاعر.
أمَا الألفاظ فواضحة معبّرة عن الغرض المقصود تعبيراً مباشراً صريحاً على أن تتخللها الأمثلة أو أبيات الشعر، ومعانيها في كثير مما وَرَدَ منْ نماذجها مقتضبة، مفككة، لا تتصل اتصالاً مترابطاً وإنما هي خطرات تسنح للخطيب فيعبر عنها كما تجيء.
وكان العرب يختارون الخطيب و يرون فيه أن يكون جهير الصوت سليم المنطق ثابت الموقف قوي الشخصية ومن خطبائهم الأفذاذ قس بن ساعدة وهاشم بن عبد مناف.
أما الأمثلة فتجري على ألسنة الناس جميعاً، ولا تختص بها طبقة دون طبقة، ولذلك ورد لنا من أمثلة الجاهلية ما امتلأت به كتب حافلة، ومن صفاتها الفنية إيجاز اللفظ، وجمال العبارة وتصوير البيئة تصويراً دقيقاً مع دقة التشبيه في أكثر ما نعهد من، الأمثال ووصايا الجاهليين ذائعة وهي وليدة خبرات وتجارب، ودائماً تصدر عن أب كبير، أر رئيس مجرب، أو أم عاقلة فتصادف موقعها من النفوس.
الشعــر
الشعر عند العرب الكلام المقفّى الموزون، والتصورات الشعرية فطرية في العرب أما النظم فحادث عندهم، وربما صاغوا الشعر أولاً بعبارات قصيرة تحفظ وتتناقل على سبيل الأمثال، ومنها الأمثال الحكمية ونحوها.
وظلوا دهراً طويلاً يقول شاعرهم من الرجز البيتين أو الثلاثة إذا هاجت فيه قريحة الشعر لمفاخرة أو مشاتمة أو منافرة وكانوا كلما نبغ فيهم نابغة أدخل في النظم تحسيناً، والمهلهل يقولون أنه أول من قصد القصائد وامرؤ القيس أول من أطالها وتفنن في نظمها وفتح الشعر وبكى ووصف، وهم يعدون منظوماتهم بالقصائد وليس بالأبيات، فقد ذكروا أن أبا تمام صاحب كتاب الحماسة كان يحفظ من أشعار العرب (الجاهلية) 14.000 أُرجوزة غير القصائد والمقاطيع وكان حماد الراوية يحفظ 27.000 قصيدة على كل حرف من حروف الهجاء ألف قصيدة، وكان الأصمعي يحفظ 16.000 أُرجوزة وكان أبو ضمضم يروي أشعاراً لمائة شاعر كل منهم اسمه عمرو.
فالشعر ديوان الجاهليين، وسجلّ وقائعهم، وميدان تجاربهم، ولا تجد عصراً من عصور التاريخ أجادَ تصويرَ الأحداث، وسرد الوقائع، كما تجد ذلك في العصر الجاهلي، حيث اتجهت الفطرة العربية إلى تصوير الواقع دون تزييف أو مبالغة، وقد وجدوا من انفساح الصحراء ورحابة الأفق وحرية القول، وكثرة المعارك ما أطلق ألسنتهم بالقول، ولهم من فصاحة اللسان، واعتدال السليقة ما يمدهم بالروعة والإتقان.
وقد اتجهت أغراض الشعر إلى ما يناسب البيئة من وصف ومدح وفخر ورثاء وهجاء وحكمة وغزل واعتذار ووجد فيهم من الشعراء من اشتهر بغرض أجادَه وتفوق فيه كما تفوق زهير في الحكمة والنابغة في الاعتذار والمهلهل في الرثاء.
أما المعاني فغير عميقة لبعد الجاهليين عن الفلسفة، كما أن هذه المعاني لا تمتد متسلسلة بل تأتي موجزة مقتضبة، ولا يعمد الشاعر إلى ترتيبها بل ينتقل من معنى لآخر دون استيفاء بحيث يمكن القارئ أن يسقط بعض الأبيات دون أن يحس اختلالاً في الترابط.
والألفاظ لدى الكثيرين قويّة جزلة، وما نراه من الغموض في بعض الأبيات يرجع إلى خفاء اللفظ بالنسبة إلينا نحن، أما الأفكار فقريبة لا تحتاج إلى غوص، وقد نجد سهولة في بعض القصائد كما نشاهد في شعر المهلهل وجليلة والمنخل.
والتصوير ينبع من البيئة، ولبعض الشعراء خيال رائع كامرئ القيس وزهير والنابغة، وكان الأخيران يتئدان في النظم فحَفل شعرهما بالصور الجميلة على نحو ما شاهدنا في مقطوعتيهما السابقتين.
أغراض الشعر الجاهلي :
-لقد نظم الشاعر الجاهلي الشعر في شتى موضوعات الحياة ومن أهم أغراض الشعر الجاهلي :
أ-الفخر والحماسة :الحماسة لغة تعني : القوة والشدة والشجاعة .ويأتي هذا الفن في مقدمة أغراض الشعر الجاهلي ،حيث يعتبر من أصدق الإشعار عاطفة .
ب- الغزل :وهو الشعر الذي يتصل نالمرأة المحبوبة المعشوقة .والشعر هنا صادق العاطفة ،وبعضه نمط تقليدي يقلد فيه اللاحق السابق .
ج- الرثاء :وهو الشعر الذي يتصل بالميت . وقد برعت النساء في شعر الرثاء .وعلى رأسهن الخنساء ،والتي أشتهرت بمراثيها لأخيها صخر .
د- الوصف :اقد تأثر الشعراء الجاهليون بكل ما حولهم ،فوصفوا الطبيعة ممثلة في حيوانها ، ونباتها .
ه- الهجاء :فن يعبر فيه صاحبه عن العاطفة السخط والغظب تجاه شخص يبغضه .
مصادر الشعر الجاهلي :
المعلقات ، والمضليات ، والأصمعيات ، وحماسة أبي تمام ، ودواوين الشعراء الجاهليين ، وحماسة البحتري ، وحماسة إبن الشجري ، وكتب الأدب العامة ، وكتب النحو واللغة ومعاجم اللغة.
من شعراء الجاهلية:
أحيحة بن الجلاح، أوس بن حجر، أبو طالب، الحارث بن حلزة، امرؤ القيس، الأعشى، الشنفرى، المثقب العبدي، السموأل، الزير سالم، النابغة الذبياني، الأسود بن يعفر النهشلي، السليك بن عمرو، الحادرة، الخرنق بنت بدر،المسيب بن علس، المتلمس الضبعي، بشر بن أبي خازم ،ثابت بن جابر، حاتم الطائي، حاجب بن حبيب،زهير بن أبي سلمى، زهير بن جناب الكلبي، سلامة بن جندل، طرفة بن العبد، طفيل الغنوي، عمرو بن كلثوم، عنترة بن شداد، عبيد بن الأبرص، عدي بن زيد، عامر بن الطفيل، عروة بن الورد، علقمة الفحل، عمرو بن قميئة، عمرو بن مالك، قيس بن الخطيم، لبيد بن ربيعة العامري، لقيط بن يعمر الإيادي، هدبة بن الخشرم.
منزلة الشعر عند العرب:
فكانوا يثيرون بذلك غيرة أبنائهم على إتقان الشعر ويحرّضونهم على نظمه، لأن الشعراء كانوا حماة الأعراض وحفظة الآثار ونقلة الأخبار وربما فضلوا نبوغ الشاعر فيهم على نبوغ الفارس ولذلك كانوا إذا نبغ فيهم شاعر من قبيلة أتت القبائل الأخرى فهنأتها به وصنعت الأطعمة واجتمعت النسوة يلعبن بالمزاهر كما يصنعن في الأعراس وتتباشر الرجال والولدان. وقد بلغ من احترام العرب للشعر والشعراء أنهم عمدوا إلى سبع قصائد اختاروها من الشعر القديم وكتبوها بماء الذهب في القباطي (التيل المصري) بشكل الدرج الملتف وعلقوها في أستار الكعبة وهي المعلقات ولذلك يقال لها المذهبات أيضاً كمذهبة امرئ القيس ومذهبة زهير.
الخطابة في الجاهلية
الخطابة تحتاج إلى خيال وبلاغة ولذلك عددناها من قبيل الشعر أو هي شعر منثور وهو شعر منظوم وإن كان لكل منهما موقف. فالخطابة تحتاج إلى الحماسة ويغلب تأثيرها في أبناء عصر الفروسية وأصحاب النفوس الأبية طلاب الاستقلال والحرية مما لا يشترط في الشعر، أما العرب فقد قضى عليهم الإقليم بالحرية والحماسة وهم ذووا نفوس حساسة مثل سائر أهل الخيال الشعري فأصبح للبلاغة وقع شديد في نفوسهم فالعبارة البليغة قد تقعدهم أو تقيمهم بما تثيره في خواطرهم من النخوة.
مواضيع الخطب
وكان العرب يخطبون بعبارة بليغة فصيحة وهم أميون لا يقرأون ولا يكتبون وإنما كانت الخطابة فيهم قريحة مثل الشعر وكانوا يدربون فتيانهم عليها من حداثتهم لاحتياجهم إلى الخطباء في إيفاد الوفود مثل حاجتهم إلى الشعراء في حفظ الأنساب والدفاع عن الأعراض.
ومن هذا القبيل وفود القبائل على النبي (صلّى الله عليه وآله) بعد أن استتب له الأمر فقد جاءه من كل قبيلة وجهاؤها وخيرة بلغائها لاعتناق الإسلام أو للاستفهام أو غير ذلك ومن هذا القبيل وفود العرب على الخلفاء للتسليم والتهنئة.
الخطباء
وجملة القول أن الخطباء كانوا عديدين في النهضة الجاهلية كالشعراء والغالب فيهم أن يكونوا أمراء القبائل أو وجهاءها أو حكماءها، وكان لكل قبيلة خطيب أو غير خطيب كما كان لها شاعر أو غير شاعر.
مجالس الأدب وسوق عكاظ
كان العرب يعقدون المجالس لمناشدة الأشعار ومبادلة الأخبار والمسامرة أو البحث في بعض الشؤون العامة وكانوا يسمون تلك المجالس الأندية.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق